بدأت تحركات واشطن السرية في غرب القارة الافريقية بشكل مطرد هذه الأيام مع اقتراب انسحاب أزيد من ألف جندي أميركي من النيجر بحلول 15 سبتمبر المقبل. ووفق ما كشفت عنه صحيفة لوبوان الفرنسية، فان واشنطن دخلت في «مفاوضات سرية» مع ساحل العاج ( كوت ديفوار ) وبنين لمواجهة “التهديد الإرهابي في منطقة الساحل”. وبالنظر الى الاستراتيجية الامريكية المتعلقة بالشرق الأوسط وشمال افريقيا فان مكافحة الارهاب هي ذريعة لوضع قواعدها العسكرية وبسط هيمنتها على المحاور الاستراتيجية المختلفة، بغرض السيطرة و التحكم ومنع خصومها وأعدائها من الوصول اليها لتبقى متحكم في كل الأوضاع الجيوسياسية في العالم.
هذه الاستراتيجية مع تنامي القوة الصاعدة في النظام الدولي (روسيا و الصين) بشكل خاص، من الصعب فرضها دون حوار استراتيجي و اعادة تقييم مختلف الاستراتيجية التي تم صياغتها من قبل الولايات المتحدة الامريكية للحفاظ على الوضع القائم الذي رسمت معالهم أثناء الحرب الباردة ومابعدها (أحداث 11 سبتمبر).
فمنذ طرد قواتها من النيجر، وخسارتاها لأهم القواعد العسكرية في منطقة الساحل الافريقي، تعمل الولايات المتحدة الامريكية، بشكل ديناميكي لاعادة التموقع في المنطقة من خلال اعادة تشكيل صورة جديدة عن الدور الامريكي فيها. فبعد انتكاسة استراتيجيتها الأمنية و العسكرية في الساحل خاصة بعد خسارتها للقاعدة الجوية في النيجر، والتي تعتبر من الناحية الاستراتيجية أهم قاعدة عسكرية لها في افريقيا. فلو ندرك أهمية هذه القاعدة العسكرية نفهم لماذا تبحث عن اعادة التموقع في المنطقة لتعويض المكاسب و المزايا التي حققتها في ظل انفرادها في القارة قبل التواجد الصيني و الروسي- بشكل خاص- بعيدا عن الهيمنة الفرنسية التي كانت حليف استراتيجي لها. فالقاعدة العسكرية الجوية التي خسرتها، تقع في منطقة أغادير (شمال النيجر)، لها مهبط طائرات بدون طيار ، مما يتيح لها التفوق الجوي من الناحية العسكرية و حتى من الناحية الاستخبراتية من خلال اجراء طلعات استطلاعية في المنطقة، كما تتيح لها مراقبة حدود كل المنطقة من الشمال النيجر وليبيا، إضافة إلى جزء كبير من بقية منطقة الساحل إلى الغرب.
وبالتالي نفهم لماذا اليوم تبحث عن اعادة ترميم هذه الاستراتيجية من خلال حوار جديد تطرحه على دول غرب افريقيا وخاصة دول الساحل و الدول المتاخمة لهذه المنطقة، وعلى رأسها دولة كوت ديفوار التي تتمتع معها بعلاقات جد طيبة في ظل تواجد الرئيس حسن واتارا الموالي للغرب، وبالعودة الى تصريحات الرئيس في مطلع جانفي الماضي اين شكر وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن على “مساهمته في الحرب ضد الإرهاب”.فيما أشار الجنرال إيكمان في وقت سابق خلال كلمته بأبيدجان عاصمة دولة ساحل العاج (كوديفوار) ، إلى المخاطر المتزايدة بالنسبة للبلدان الواقعة عند بوابة منطقة الساحل وخص بالحديث دولة ساحل العاج، والتي تعتبر من أبرز وأهم المناطق الاستراتيجية في العالم لما تحمله من ثروات غنية وموارد استراتيجي.
مهدي نحال: كاتب صحفي مختص في العلاقات الدولية
Views: 21