يواصل النظام المغربي خطواته المتسارعة على طريق التطبيع مع الكيان الصهيوني، حيث لم تَعُد خيانة القضية الفلسطينية تقتصر على المجالات السياسية والأمنية والثقافية، بل امتدت إلى الحقل التربوي، لتطال اليوم الذاكرة الجماعية من بوابة المدرسة. فقد أقدمت مديرية التربية بالدار البيضاء على سحب نص فلسطيني من امتحان اللغة العربية الموجه لتلاميذ المرحلة الابتدائية، في خطوة وُصفت بأنها جزء من سياسة ممنهجة لنزع فلسطين من الوعي العام.
ووفق ما أفادت به مصادر إعلامية محلية، فإن القرار جاء في اللحظات الأخيرة قبل انطلاق الامتحان، وشمل نصاً أدبياً بعنوان “الذكرى التي لا تموت”. وهو مقتطف من كتاب مدرسي فلسطيني يعكس مأساة التهجير والحنين إلى الأرض، عبر مشاهد تصوّر معاناة الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال الصهيوني، وتؤكد على حق العودة.
هذا النص، بما يحمله من دلالات إنسانية وتاريخية، وجد نفسه مرفوضاً داخل فضاء المدرسة المغربية، تحت ذرائع تتماشى مع توجه النظام الرسمي نحو التطبيع، الذي بات يسعى لمحو كل ما يربط الناشئة بالقضية الفلسطينية، ويستبدل القيم التحررية بخطاب مهادن يُروّج للتعايش مع كيان قائم على الاحتلال.
وقد خلّف هذا القرار موجة واسعة من التنديد داخل الأوساط التربوية والثقافية، حيث أعرب عدد من الأساتذة والمربين والمثقفين عن صدمتهم من الزج بالمؤسسة التعليمية في صراعات سياسية، واستغلال الامتحانات لفرض رقابة أيديولوجية تُقصي أي مضمون يُعبّر عن التضامن مع فلسطين.
كما اعتبر العديد من العاملين في قطاع التربية أن هذه الخطوة تكشف عن توجه مقلق لتفريغ التعليم من قيمه الوطنية والإنسانية، وتحويله إلى أداة لإعادة تشكيل الوعي وفق رؤية سلطوية، لا تسمح حتى بتمرير نص بسيط يعكس معاناة شعب يرزح تحت الاحتلال.
ورأى رجال ونساء التعليم أن المدرسة، التي يفترض أن تكون حاضنة للضمير الجمعي ومهذبة للمواقف الأخلاقية، باتت تخضع لرقابة مشددة، تُقصى منها كل المفردات التي تحرّك الوجدان. ففي الوقت الذي تُروّج فيه وسائل الإعلام الرسمية لخطاب دعم القضية الفلسطينية، تُنفّذ على أرض الواقع سياسات تجسّد تراجعات خطيرة، وتُجرّم التعبير الحر عن التضامن، حتى في أبسط أشكاله.
وأكد الفاعلون التربويون أن ما حدث لا يمكن اعتباره مجرد قرار إداري معزول، بل هو جزء من “هندسة تطبيعية” تستهدف إعادة تشكيل وعي الأجيال الصاعدة، وفصلها عن قضاياها العادلة، وتلقينها بأن فلسطين لم تعد شأناً يعنيها، وأن الكيان الصهيوني بات شريكاً استراتيجياً لا يجوز المساس بصورته، لا في المقررات ولا في العقول.
وفي ختام ردود الفعل، شدد المعنيون بالشأن التربوي على أن هذا الانحدار لم يعد مجرد انزلاق سياسي ظرفي، بل يمثل سقوطاً أخلاقياً خطيراً يُسوَّق على أنه خيار استراتيجي، تُداس من خلاله العدالة والكرامة والتاريخ، موجهين نداءً بعدم السكوت عن مثل هذه السياسات، التي تنذر بتحويل فلسطين إلى “موضوع محرم” داخل المدرسة، تمهيداً لطمسها نهائياً من الذاكرة الجماعية.
Views: 7

