في تحول دبلوماسي لافت، أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون اعتراف بلاده الرسمي بدولة فلسطين، في خطوة تعيد خلط الأوراق إقليمياً ودولياً، وتثير في الوقت نفسه تساؤلات حول أبعادها الاستراتيجية وما قد تحمله المرحلة المقبلة من تداعيات.
لطالما ترددت باريس في الإقدام على خطوة كهذه، مفضلة أن يكون الاعتراف ثمرة مفاوضات مباشرة تضمن مكاسب للكيان الصهيوني، “طفل العالم المدلل”. غير أنّ تعثر مسار السلام وتفاقم العدوان على غزة، إضافة إلى موجة الاعترافات الأوروبية الأخيرة (إسبانيا، النرويج، أيرلندا، بلجيكا…) جعلت الموقف الفرنسي يبدو خارج السياق.
توقيت محمّل بالرسائل
قرار ماكرون جاء في لحظة حساسة. فرنسا تواجه انتقادات داخلية بسبب ترددها في بداية العدوان على غزة، وتتعرض لضغوط خارجية بعد تراجع نفوذها في مستعمراتها القديمة وفقدانها أوراقاً مؤثرة في المتوسط والساحل الإفريقي. عزلة دبلوماسية غير معلنة بدت ماثلة أمام الجميع، في وقت برز فيه لاعب إقليمي بحجم الجزائر، بما تمتلكه من ثروات ومقومات بشرية جعلتها شريكاً استراتيجياً لا يمكن تجاوزه.
الجزائر.. البعد الخفي
الجزائر، التي تعتبر فلسطين قضية مبدأ غير قابلة للمساومة، قد تقرأ الخطوة الفرنسية على أنها محاولة لإعادة جسور الثقة بعد أزمات متلاحقة مست ملفات حساسة مثل التأشيرات والذاكرة والتعاون في الساحل. وعليه، يبدو الاعتراف إشارة ودية مضمّنة من باريس، ورسالة مفادها أن مراجعة حساباتها يمر عبر البوابة الجزائرية.
بين المبادئ والمصالح
يبقى السؤال معلقاً: هل الاعتراف الفرنسي استجابة حقيقية لضغوط إنسانية ودولية، أم تكتيك دبلوماسي هدفه استعادة المبادرة والهروب من العزلة؟
بين من يراه تحوّلاً مبدئياً في السياسة الخارجية، ومن يعتبره مجرد ورقة لاستمالة الجزائر وكسب ودها، يظل الجواب رهن توازنات إقليمية متسارعة قد تكشف قريباً الوجه الحقيقي للقرار الفرنسي.
Views: 144